منذ بدايات أزمة جائحة كورونا، وفي الوقت الذي كان كثيرون يتحدثون فقط عن كيفية مواجهة فيروس كوفيد- 19، وآليات وخطط الحظر، شاملا كان أم جزئيا، وحده جلالة الملك عبد الله الثاني، كان يدق ناقوس الخطر، وبصورة شمولية متكاملة، لما يمكن أن تؤدي اليه جائحة كورونا آنيا وعلى المديين المتوسط وبعيد المدى.
جلالة الملك دق ناقوس الخطر فوجه سريعا حكومته « وقت ظهور الجائحة « الى اهمية ( الامن الغذائي – والدوائي – والاعتماد على الذات – والزراعة – والصناعات الزراعية -…الخ ).
جلالة الملك دعا الى التحوط وزار مستوعبات القمح في الغباوي ودعا الى تأمين مخزون استراتيجي كاف من المواد الاساسية، ودعا كذلك لدراسة امكانية « التحوط النفطي «.
جلالته زار مصانع أردنية خلال الجائحة في رسالة واضحة المعالم تحث على « الاعتماد على الذات « ودعم المنتج الوطني وتذليل المعوقات من أمامه من اجل توفير الاكتفاء محليا والتطلع للتصدير الخارجي او مساعدة دول الجوار.
ومن هنا حققت الصناعات المحلية قفزات وانجازات في ظل الجائحة وتضاعف حجم الانتاج للصناعات الدوائية والطبية من كمامات ومراييل وقفازات وحتى أجهزة تنفس اصطناعي، اضافة الى المعقمات.. وغيرها.
جلالته دعا الى توفير ودعم كل ما يساعد على توفير المدخلات الاولية محليا.
واخيرا وليس آخرا تم الاعلان عن تشكيل ثلاث لجان ( حكومة د. عمر الرزاز ) في محاور ثلاثة هامة هي : لجنة تصنيع الأجهزة والمستلزمات الطبية والمعقمات – ولجنة التصنيع الغذائي – ولجنة التصنيع الدوائي، بالاضافة الى لجنة عليا – برئاسة رئيس الوزراء – تتولى توجيه اللجان الفنية للأولويات الوطنية وإقرار خطة وطنية للإنتاج وتوفير المتطلبات اللازمة للتنفيذ.
وفي اول لقاء لجلالة الملك مع الصحافة الورقية بعد ظهور الجائحة وتحديدا في حزيران 2020 ( وتشرفت بان أكون احد الحاضرين بين نخبة من الزملاء الكتّاب الصحفيين) اكد جلالته على كثير من المحاور وفي مقدمتها :
1 – خشية جلالته – منذ ذلك الوقت المبكر من معاناة دول خصوصا الافريقية من خطر « المجاعة « نتيجة نقص وتوقف سلاسل الامداد أكثر من الموت جراء جائحة كورونا، وفق ما تشير تقارير دولية.
2 – دعوة جلالته الى اهمية التكامل وان هذه الجائحة تتطلب مزيدا من التنسيق بين الدول والتعاون المشترك اذ لا يمكن لدولة ان تواجهها منفردة، مبينا جلالته أن «كورونا غيرت العالم»، وأن مفهوم إعادة ضبط العولمة الذي تحدث عنه مؤخراً يعني أننا نعيش في عالم جديد، ولا بد من تعاون الدول فيما بينها، وأن تنأى خلافاتها جانباً، كون المعركة الأكبر أصبحت كورونا وتبعاتها.
المخزون الاستراتيجي «الحكومي والخاص» جيد و يساعد على استقرار الأسعار حاليًا فــمـاذا لــو طـالــت الأزمــة العــالــمـيــة؟
- بدوره كان « مركز الدستور للدراسات الاقتصادية «، في مقدمة المعلنين عن نتائج دراسة في بدايات الجائحة ( تم نشرها في الدستور بتاريخ 20/ 4/ 2020) وشارك بها عدد من الخبراء والاقتصاديين والاكاديميين من الاردن وخارجها، دعت الدراسة الى ضرورة التنبه لما يمكن ان تسفر عنه الجائحة من تاثيرات على الامن الغذائي، الامر الذي يستوجب اتخاذ خطوات مبكرة وسريعة للتخفيف من تبعات ما قد يحدث لاحقا ( وقد حدث )، ومن اهم توصيات تلك الدراسة النقاط التالية :
1 – ضرورة تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الاساسية تحسبا لطول مدة الازمة وشح المواد عالميا.
2 – اتباع سياسة « التحوط النفطي « وتوفير الطاقة للقطاع الصناعي باسعار تخفف كلف الانتاج.
3 – الاولوية في هذه المرحلة لقطاعات : الصحة والزراعة والصناعة.
وبتاريخ ( 29/6/2020 ) اجرى « مركز الدستور للدراسات الاقتصادية « دراسة حول مقترحات للنهوض بالقطاع الزراعي وكان من اهم التوصيات ما يلي :
1 – ضرورة زيادة المخزون الاستراتيجي من المواد الاساسية والتوجه نحو المحاصيل الاستراتيجية.
2 – زيادة الاستثمار في صوامع القمح.
3 – خريطة طريق لتعزيز قطاع الصناعات الغذائية ودعمه تحقيقا للامن الغذائي والمحافظة على مخزون استراتيجي للمملكة.
وبتاريخ ( 18/ 10/ 2020 ) اصدر مركز الدستور للدراسات الاقتصادية « ورقة مطالعة « لكلمة جلالة الملك في « حوار بورلوغ « بعنوان « رؤية ملكية ثاقبة ترى مشهد ما بعد كورونا : عالم جديد.. تحديه الاكبر « الامن الغذائي» كان من ابرز ما خلصت اليه ما يلي :
1 – الملك يرى ان « الامن الغذائي « سيكون اكبر تحد للمنطقة والعالم العام 2021.
2 – تطوير الصناعات الغذائية اولوية لتوفير الامن الغذائي الوطني.
3 – خلق صناعات بديلة للمستوردات في صناعة الغذاء والحليب والعصائر وغيرها.
4 – تشجيع قيام صناعات لمواد اولية كانت تستورد من الخارج.
** خلاصة القول فان ما يحدث اليوم من « استعار للاسعار « لكثير من السلع الاساسية من المفروض انه لم يكن مفاجئا، بل المفاجئ: ( ماذا أعددنا لهذا اليوم) ؟
فارتفاع الاسعار العالمية له مبرراته من : - ارتفاع معدلات الطلب وقلة المعروض بسبب تراجع معدلات الانتاج بسبب الحظر الشامل والجزئي جراء جائحة كورونا، وتوقف وتعطل سلاسل التوريد، وتوقف وتعطل وسائل النقل، وتعطل وتوقف العديد من المصانع وتراجع انتاجها، وبالتاكيد بسبب تسريح اعداد هائلة من العمالة المنتجة بسبب توقف وتعطل المصانع والشحن وغير ذلك، يضاف عليه التطورات الحالية من خلال الجفاف الذي تتعرض له القارة الامريكية الجنوبية، وزيادة الطلب الاستهلاكي من قبل الصين، ويضاف الى ذلك زيادة اسعار الشحن وكلف التأمين، وارتفاع في كلف الطاقة وفي مقدمتها « أسعار النفط « وانعكاس ذلك على العملية الانتاجية برمتها.
وسط كل هذه التداعيات يبحث « مركز الدستور للدراسات الاقتصادية « واقع الحال كما هو عليه المشهد سواء من حيث انعكاسات الارتفاعات العالمية على السوق والاسعار المحلية ؟ ومن حيث مدى توفر كميات كافية من المواد الاساسية، وما هي نسب الارتفاعات العالمية والمحلية، وهل يمكن ان يتم اتخاذ اجراءات محلية تقلل من كلف الارتفاعات المحلية، بالاضافة الى القرارات المهمة والمؤثرة التي اتخذتها الحكومة مؤخرا، وهل هي كافية ؟ خصوصا بالنسبة للرسوم الجمركية والضريبية وغير ذلك من كلف الطاقة مثلا ؟
لماذا لا يتم تشكيل « خلية أزمات لمتابعة آثار ارتفاع الاسعار اولا باول و على غرار « خلية أزمة جائحة كورونا الصحية ؟
هذا ما سيحاول « مركز الدستور للدراسات الاقتصادية « الاجابة عنه في قراءة للمشهدين العالمي والمحلي للأزمة :
اجراءات حكومية - كاجراءات حكومية سريعة في مواجهة ارتفاع الاسعار وافق مجلس الوزراء ( الاسبوع الماضي ) على اجراءات للحد من ارتفاع اسعار المواد الاساسية في السوق المحلية وذلك على النحو التالي :
1 – اعتماد سقوف لكلف الشحن البحري لغايات احتساب الضرائب والرسوم الجمركية حتى نهاية العام 2021 لضمان انعكاس هذا الاجراء على السعر النهائي للمستهلك على ان يتم اصدار امر دفاع لهذه الغاية.
2 – تعزيز الرقابة على الاسواق لتمكين وزارة الصناعة والتجارة والتموين من اتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع سقوف سعرية على السلع التموينية الاساسية عند الحاجة.
3 – تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع التموينية الاساسية للمؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية من خلال امكانية حصولهم على تسهيلات ائتمانية من البنوك التجارية المحلية لهذه الغاية وبالتنسيق مع وزارة المالية والبنك المركزي الاردني وتكليف وزير المالية بإجراء المناقلات المالية اللازمة لدعم سعر الفائدة المترتبة على هذه التسهيلات.
4 – الاسراع في تنفيذ المشاريع التي تعزز الامن الغذائي في المملكة وبما يساهم في دعم قطاعي الثروة النباتية والحيوانية وتكليف وزير الزراعة بوضع خطة تنفيذية مرتبطة باطار زمني لهذه الغاية.
5 – وعلى صعيد متصل منعت وزارة الصناعة والتجارة والتموين تصدير المواد الغذائية الأساسية للمحافظة على المخزون، حيث أكدت وزيرة الصناعة والتجارة والتموين المهندسة مها علي، أهمية أن تسهم اجراءات مجلس الوزراء التي اتخذها خلال اجتماعه مؤخرا بالحد من انعكاس ارتفاع أسعار الشحن العالمية على أسعار السلع في السوق المحلي.
وقالت في تصريح صحفي، ان المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية الأساسية يكفي لمدة أقلها شهران، مؤكدة ضرورة محافظة القطاع الخاص على استقرار الأسعار في السوق، مشيرة الى اصدار قرارات بمنع تصدير المواد الغذائية الأساسية واعطاء الأولوية للسوق المحلي. وقالت علي، إن الوزارة ومنذ المؤشرات الأولية لاحتمال ارتفاع الأسعار عالميا، عقدت سلسلة اجتماعات مع ممثلي القطاعين التجاري والصناعي ونقابة وكلاء الملاحة وفعاليات القطاع الخاص ذات العلاقة لوضع التصورات والمقترحات للحد من أي ارتفاعات على الأسعار، منوهة إلى تشكيل لجنة دائمة للسقوف السعرية ولدراسة الكلف والتنسيب بتحديد السقوف السعرية إذا استدعت الحاجة.
واشارت الى أنه يتم يوميا مراقبة مخزون السلع من خلال نظام الإنذار المبكر والكشف الحسي على الأسواق ومستودعات التجار، ومتابعة ما يجري في الأسواق العالمية.