مكرم الطراونة
ملامح عديدة بدت تعكس فشل النظام الصحي الأردني في مواجهة وباء كورونا، الذي لم يعد يستوعب الأعداد المتزايدة من الإصابات بين المواطنين، ما دفع الحكومة إلى اللجوء للعزل المنزلي وإصدار تعليمات بهذا الخصوص، وهي تعليمات لا أحد يمكنه ضمان متابعة تطبيقها وفاعليتها في الحيلولة دون نشر الفيروس بين الناس.
وتتكشف هذه الملامح من خلال أصوات الخبراء وأصحاب الاختصاص الذين ينتقدون التأخر في إظهار نتائج فحوصات العينات التي تصل إلى خمسة أيام، وفي هذه الأثناء يتحرك من يجري الفحص في كل الأرجاء قبل أن يحصل على نتيجة فحصه إن كان مصابا أو سليما، وهذا بالتأكيد زاد من سرعة انتشار الفيروس.
هذا التأخر مرده عدم قدرة القطاع الصحي على مجاراة الأعداد المتزايدة من الأشخاص الذين يجرون عمليات الفحص، وهو أمر بات مقلقا للغاية، ويستدعي حلولا سريعة، لكن للأسف وزارة الصحة تقف عاجزة أمامه، وتكتفي بالمراقبة دون إجراء اللازم.
الخطورة الأخرى تكمن في ترك خط الدفاع الأول في مواجهة كورونا مكشوفا، ومعرضا لخطر الإصابة، والحديث هنا تعكسه الإصابات الواسعة بين الكوادر الصحية في المستشفيات، وصيحات بعض هذه الكوادر من تراجع جودة الإجراءات المتابعة التي خرجت للنور مؤخرا.
هذا يؤشر على مشاكل جمة لها علاقة بأنظمة وإجراءات ضبط العدوى في الصروح الطبية، بالإضافة إلى أن البروتوكول المخصص لهذه الغاية، إما أنه غير صحيح، أو غير مفعل، وفي كلا الأمرين ترك الأمر من دون حلول مدعاة قلق شديد، وخطورة كبيرة.
أضف إلى ذلك أنه لم يعد بوسع لجان التقصي مجاراة الأعداد المتزايدة، إذ لم تغدُ قادرة على الوصول إلى المخالطين في أماكنهم مع الانتشار الكبير في عدد الإصابات، وهناك حالات عديدة بقي المخالط مترقبا زيارته من قبل هذه اللجان لأيام قبل إجراء الفحص اللازم له، لينتظر بعدها أياما أخرى قبل معرفته نتيجة الفحص.
كما فشلت منظومة الرصد الصحي في عديد الأماكن، وهنا لا بد من الإشارة إلى ما حدث في المجمعات الصناعية مثل الضليل وسحاب، حيث تم تسجيل 600 إصابة في الأولى في يوم واحد، في حين أن هناك حديثا عن تسجيل نحو 200 إصابة في الثانية، وهو ما يحيلنا إلى أن منظومة الرصد إما أنها كانت شكلية أو أنها لم تقم بعملها بطريقة مناسبة.
والتصريحات مجال آخر أيضا لكي يصاب المواطن بقلق وحيرة، فالتضارب فيها يحدث كل يوم، وبذلك يتحتم على المواطن أن يعيش بين تناقضات واسعة وأحيانا خطيرة في أحاديث المسؤولين عن الأمر نفسه، ومن جهة أخرى اختلاف في الرأي مع خبراء ومتخصصين وأطباء ممن لهم ملاحظات كثيرة على التعامل مع ملف كورونا إداريا وصحيا. وفي نهاية اليوم يكون المواطن وحيدا لكي يكوّن رأيه استنادا على طوفان المعلومات المتضاربة، وأحيانا المتناقضة التي لا تشبه بعضها بعضا.
لنكن واقعيين، فالأردنيون هاموا على وجوههم في بحر من الأوهام، فقد أشبعوا شعرا بشأن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات العامة التي كشفت الأيام عن أنها غير كافية، وأن التجهيزات غير مكتملة، ناهيك عن أن ما كان يقال عن زيادة فرق التقصي اصطدم بحقيقة أنها غير كافية ولم تعد قادرة على مجاراة الوضع الوبائي.
بقي القول إن منحنى الإصابات بكورونا في الأردن لا يمكن له أن يعود إلى الوراء، بحسب المختصين، وهذا حتما سيزيد من أعباء القطاع الصحي، الذي لن يقوى على المقاومة وسيؤول إلى الانهيار لا قدر الله، وهي نتيجة لا يأمل أحد بالوصول إليها، بيد أن العيش على أمل لا يبلغنا بر الأمان، وإن لم يكن مقرونا بإرادة وخطط وعمل سيكون أشبه برمي النفس في التهلكة.. وبالانتحار!.